فصل: استيلاء العادل على الخابور ونصيبين من أعمال صاحب سنجار وحصاره اياه.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.هزيمة نور الدين صاحب الموصل أمام عسكر العادل.

لم يزل الملك العادل يراسل قطب الدين صاحب سنجار ويستميله إلى أن خطب له في أعماله سنة ستمائة فسار نور الدين صاحب الموصل إلى نصيبين من أعمال قطب الدين فحاصرها وملك المدينة وأقام يحاصر القلعة فبينما هو قد قارب فتحها بلغه الخبر من نائبه بالموصل بأن مظفر الدين كوكبري صاحب اربل من أعمال الموصل فرحل عن نصيبين معتزما على قصد اربل فلم يجد كل الخبر صحيحا فسار إلى تل اعفر من أعمال سنجار فحاصرها وملكها وكان الأشرف موسى بن العادل قد سار من حران إلى رأس عين نجدة لصاحب سنجار وقد اتفق معه على ذلك مظفر الدين صاحب اربل وصاحب كيفا وآمد وصاحب جزيرة ابن عمر وتراسلوا وتواعدوا للاجتماع فلما ارتحل نور الدين عن نصيبين اجتمعوا عليها وجاءهم أخو الاشرف نجم الدين صاحب ميا فارقين وساروا إلى البقعا من تل اعفر إلى كفررقان وقصده المطاولة حتى جاءه بعض عيونه فقللهم في عينه وأطمعه فيهم وكان من مواليه فوثق بقوله ورحل إلى نوشري قريبا منهم وتراءى الجمعان فالتقوا وانهزم نور الدين ونجا في فل قليل ونزلت العساكر كفررقان ونهبوا مدينة فيد وما إليها وأقاموا هنالك وترددت الرسل في الصلح على أن يعيد نور الدين تل اعفر لقطب الدين صاحب سنجار فأعاده واصطلحوا سنة إحدى وستمائة ورجع كل إلى بلده والله تعالى ولى التوفيق.

.مقتل سنجر شاه صاحب جزيرة ابن عمر وولاية ابنه محمود بعده.

كان سنجر شاه بن غازي بن مودود ابن الأتابك زنكي صاحب جزيرة ابن عمر وأعمالها أوصى له بها أبوه عند وفاته كما مر وكان سيء السيرة غشوما ظلوما مرهف الحد على رعيته وجنده وحرمه ولوده كثير القهر لهم والانتقام منهم فاقد الشفقة على بنيه حتى غرب ابنيه محمودا ومودودا إلى قلعة فرح من بلاد الزوزان لتوهم توهمه فيهما وأخرج ابنه غازي إلى دار بالمدينة ووكل به فساءت حاله وكانت الدار كثيرة الخشاش فضجر من حاله وتناول حية وبعثها إلى أبيه فلم يعطف عليه فتسلل من الدار واستخفى في المدينة وبعث إلى نور الدين صاحب الموصل من أوهمه بوصوله إليه فبعث إليه بنفقة ورده خوفا من أبيه وترك أبوه طلبه لما شاع انه بالشام فلم يزل غازي يعمل الحيلة حتى دخل دار أبيه واختفى عند بعض حظاياه وطرق عليه الخلاء في بعض الليالي وهو سكران فطعنه أربع عشرة طعنة ثم ذبحه وأقام مع الحرم وعلم أستاذ الدولة من خارج بالخبر فأحضر أعيان الدولة وأغلق أبواب القصر وبايع الناس لمحمود بن سنجر شاه واستدعاه وأخاه مودودا من قلعة فرح ثم دخلوا إلى غازي وقتلوه ووصل محمود فملكوه ولقبوه معز الدين لقب أبيه وعمد إلى الجواري التي واطأت على قتل أبيه فغرقهن في الدجلة والله تعالى أعلم.

.استيلاء العادل على الخابور ونصيبين من أعمال صاحب سنجار وحصاره اياه.

كان بين قطب الدين محمود بن زنكي بن مودود وبين ابن عمه نور الدين ارسلان شاه بن مسعود بن مودود صاحب الموصل عداوة مستحكمة قد مر كثير من أخبارها ولما كانت سنة خمس وستمائة أصهر العادل بن أيوب صاحب مصر والشام إلى نور الدين في ابنته فزوجها نور الدين من ابنه واستكثر به وطمح إلى الاستيلاء على جزيرة ابن عمر فأغرى العادل بأن يظاهره على ولاية ابن عمه قطب الدين سنجر وتكون ولاية قطب الدين وهي سنجار ونصيبين والخابور للعادل وتكون ولاية غازي بن سنجر شاه لنور الدين صاحب الموصل فأجاب إلى ذلك العادل وأطمع نور الدين في أنه يقطع ولاية قطب الدين إذا ملكها لابنه الذي هو صهره على ابنته وتحالفا على ذلك وسار العادل سنة ست وستمائة من دمشق لملك الخابور وراجع نور الدين رأيه فإذا هو قد تورط وأنه يملك البلاد كما يحب دونه أن وفى له وسار نور الدين إلى الجزيرة فربما حال بنو العادل بينه وبين الموصل وأن انتقض نور الدين عليه سار إليه فاضطرب في أمره وملك العادل الخابور ونصيبين واعتزم قطب الدين على أن يعتاض منه عن سنجار ببعض البلاد فمنعه من ذلك أحمد بن برتقش مولى أبيه وجهز نور الدين عسكرا مع ابنه القاهر مددا للعادل كما اتفقا عليه وفي خلال ذلك بعث قطب الدين سنجر ابنه إلى مظفر الدين صاحب اربل يستنجده فأرسل إلى العادل شافعا في أمره فلم يشفعه لمظاهرة نور الدين اياه فغضب مظفر الدين وأرسل إلى نور الدين في المساعدة على دفاع العدو فأجاب نور الدين إلى ذلك ورجع عن مظاهرة العادل وأرسل هو ومظفر الدين إلى الظاهر بن صلاح الدين صاحب حلب وإلى كسنجر بن قليج أرسلان صاحب الروم يستنجدانهما فأجاباهما وتداعوا إلى قصد بلاد العادل إن لم يرحل عن سنجار وبعث الخليفة الناصر أستاذا لدار أبا نصر هبة الله بن المبارك بن الضحاك والأمير اقناش من خواص مواليه في الافرنج عن سنجار وتخاذل أصحابه عن مضايقة سنجار معه وسيما أسد الدين شيركوه صاحب حمص والرحبة فانه جاهر بخلافه في ذلك فأجاب العادل في الصلح على أن تكون نصيبين والخابور اللذان ملكهما له وتبقى سنجار لقطب الدين وتحالفوا على ذلك ورجع العادل إلى حران ومظفر الدين إلى اربل والله تعالى أعلم.